حرب تيك توك- أمريكا والسيطرة على مشاعر العالم الرقمي
المؤلف: عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان09.25.2025

في السنوات الأخيرة، اكتسح تطبيق تيك توك ساحةَ منصاتِ التواصلِ الاجتماعي، مُتربّعًا على عرشِ الابتكارِ في عالمِ الفيديوهاتِ القصيرةِ والتجارةِ الإلكترونية، ومستحوذًا على اهتمامِ ومشاعرِ الملايينِ حولَ العالمِ. ولكن، وراءَ هذا التألقِ والنجاحِ الباهرِ، تكمنُ دوافعُ الإدارةِ الأمريكيةِ للاستحواذِ على تيك توك، والتي تتجاوزُ بكثيرٍ مجردَ صفقةٍ تجاريةٍ؛ إنها معركةٌ ضروسٌ للسيطرةِ على عقولِ وتوجهاتِ مستخدمي وسائلِ التواصلِ الاجتماعي على الصعيدِ العالميّ.
منذُ انطلاقهِ على يدِ شركةِ بايت دانس الصينيةِ العملاقةِ في عام 2016، حقّقَ تيك توك نموًّا استثنائيًّا، جاذبًا إليهِ أكثرَ من مليارِ مستخدمٍ نشطٍ شهريًّا، من بينهم ما يقاربُ 170 مليونًا في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وحدَها. وعلى الرغمِ من المزايا العديدةِ لهذا التطبيقِ، إلا أن هذا العددَ الهائلَ أثارَ قلقًا متزايدًا لدى صُنّاعِ القرارِ في واشنطن بشأنِ المخاطرِ الكامنةِ المرتبطةِ بالتعاملِ مع بياناتِ المستخدمينَ الأمريكيين.
تحذّرُ أجهزةُ الاستخباراتِ الأمريكيةِ من أن الحكومةَ الصينيةَ قد تتمكنُ من الوصولِ إلى المعلوماتِ الشخصيةِ التي تجمعها المنصةُ، ممّا يثيرُ تساؤلاتٍ خطيرةً حولَ الأمنِ القوميّ من استخدامِ منصاتِ التواصلِ الاجتماعي بكل أنواعها. كما نبّهَ مسؤولونَ استخباراتيون إلى أن البياناتِ المجمعةَ قد تُستخدمُ في نشرِ المعلوماتِ المضللةِ أو في التجسسِ على المواطنين، خاصةً في ظلِ غيابِ أنظمةٍ صارمةٍ تنظمُ آليةَ استخدامِ البياناتِ في الصين.
حروبُ الجيلِ الخامسِ
تُعتبرُ حروبُ الجيلِ الخامسِ نموذجًا جديدًا من الصراعاتِ يرتكزُ على المواجهةِ في الفضاءِ الافتراضي، حيث تتداخلُ تقنياتُ المعلوماتِ والذكاءِ الاصطناعي ووسائلُ التواصلِ الاجتماعي مع اعتباراتِ الأمنِ القوميّ. ويُعدُّ تيك توك جزءًا لا يتجزأُ من هذا الصراعِ، نظرًا لكونهِ مصدرًا هائلاً للبياناتِ الضخمةِ، وأداةً فاعلةً لتعزيزِ التأثيراتِ السياسيةِ والاستراتيجيةِ والأمنيةِ.
* التأثيرُ النفسيُّ والدعائيُّ: في حروبِ الجيلِ الخامسِ، لا تقتصرُ المعاركُ على ساحاتِ القتالِ التقليديةِ، بل تمتدُّ لتشملَ معاركًا في العقولِ والنفوسِ. تعملُ المنصاتُ مثلُ تيك توك على تشكيلِ آراءِ الجمهورِ وتوجيهِ سلوكياتهِ من خلالِ محتوىً مُعدٍّ وموجهٍ بعنايةٍ فائقةٍ، ممّا يجعلُ السيطرةَ عليها جزءًا لا يتجزأُ من الحفاظِ على الأمنِ القوميّ للدول.
* المعلوماتُ المضللةُ: تعتمدُ هذه الحروبُ بشكلٍ كبيرٍ على بثِّ المعلوماتِ المضللةِ والأخبارِ الزائفةِ، الأمرُ الذي يعززُ أهميةَ الرقابةِ على منصاتٍ مثلِ تيك توك. فمن الممكنِ استغلالُ هذه المنصاتِ كأداةٍ لتأجيجِ الانقساماتِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ، كما حدثَ في الانتخاباتِ الأمريكيةِ الأخيرةِ، حيثُ بُذلتْ محاولاتٌ حثيثةٌ لنشرِ معلوماتٍ كاذبةٍ ومضللةٍ.
* التأثيرُ على الأمنِ السيبرانيّ: يُعرّضُ ما يقاربُ 170 مليونَ مستخدمٍ أمريكيٍّ لخطرِ القرصنةِ والاستغلالِ من قبلِ جهاتٍ خارجيةٍ معاديةٍ، حيثُ يُعتبرُ تيك توك أحدَ أكبرِ مصادرِ البياناتِ الشخصيةِ التي يُمكنُ استغلالها لأغراضِ التجسسِ في خضمِ ثورةِ الحروبِ الرقميةِ.
المخاطرُ الأمنيةُ
هناك جملةٌ من المخاطرِ الأمنيةِ على المستوى الوطنيّ ذاتِ البُعدِ التقنيّ، تُبرزُ أهميةَ هذه القضايا، وتستدعي الانتباهَ واليقظةَ:
* تهديداتُ الأمنِ السيبرانيّ: يُعتبرُ التطبيقُ مصدرًا بالغَ الأهميةِ للبياناتِ الشخصيةِ التي يمكنُ استخدامها في عملياتِ التجسسِ الرقميّ، مثلِ عناوينِ البريدِ الإلكتروني وأرقامِ الهواتفِ المحمولةِ وعناوينِ IP.
* تضليلُ الرأي العام: تُعدُّ تيك توك منصةً فعّالةً في صناعةِ محتوىً يساهمُ في نشرِ المعلوماتِ المضللةِ والأخبارِ الكاذبةِ.
* تقنياتٌ متقدمةٌ لجمعِ البياناتِ: يُعتبرُ تيك توك مصدرًا رئيسيًّا من مصادرِ البياناتِ الضخمةِ، ويشتملُ على بياناتٍ متعددةٍ، كالبياناتِ الشخصيةِ والبياناتِ الحساسةِ، مثلِ السماتِ البيومتريةِ، ومن أهمها الصوتُ والصورُ.
* الاعتمادُ المتزايدُ: بدأَ العديدُ من الأمريكيينَ يعتمدونَ على تيك توك كوسيلةٍ للتعبيرِ عن الذاتِ وتبادلِ المعلوماتِ والآراءِ.
* تركيبةُ المستخدمينَ: يستهدفُ تيك توك الشريحةَ الشبابيةَ، حيثُ يُشكلُ 60% من مستخدميهِ في الولاياتِ المتحدةِ من الفئةِ العمريةِ بين 16 و24 عامًا، ممّا يمنحهُ تأثيرًا كبيرًا على سلوكياتِ السوقِ وأنماطِ الاستهلاكِ.
* الشركاتُ الأمريكيةُ: تعتمدُ أكثرُ من 7 ملايين شركةٍ على التطبيقِ كوسيلةٍ للتسويقِ لمنتجاتها وخدماتها.
* المنافسةُ في السوقِ: بحلولِ أوائلِ عام 2025، استحوذَ تيك توك على 20% من حصةِ سوقِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي العالميةِ.
الهيمنةُ على النفطِ الرقميّ:
تسعى الحكومةُ الأمريكيةُ جاهدةً لشراءِ تيك توك ليس فقط للحفاظِ على السيطرةِ على منصةٍ مؤثرةٍ عالميًا، ولكن أيضًا لضمانِ عدمِ استخدامها كأداةٍ في حروبِ الجيلِ الخامسِ ضدّ المصالحِ الأمريكيةِ، وللسيطرةِ على أهمِ مصدرٍ من مصادرِ البياناتِ الضخمةِ التي تضمُّ بياناتٍ شخصيةً وبنكيةً وبياناتٍ حساسةً للمستخدمينَ النشطين. كما أن هناكَ احتمالًا واردًا بأن تتجاوزَ إيراداتُهُ الإعلانيةُ مبلغَ 11 مليار دولارٍ في عام 2025. وبذلكَ، فإن تمتْ هذه الصفقةُ، ستعززُ أمريكا من هيمنتها المطلقةِ على النفطِ الرقميّ ومصادرِ البياناتِ الضخمةِ، لتنضمَّ إلى الكوكبةِ الأمريكيةِ المتمثلةِ في فيسبوك، وواتساب، وإكس (تويتر سابقًا)، وإنستجرام. السؤالُ الذي يفرضُ نفسَهُ بإلحاحٍ: ما هو الخطرُ الحقيقيُّ الذي يتهددُ العالمَ عندَ احتكارِ أمريكا لمصادرِ البياناتِ الضخمةِ في العالمِ الافتراضيّ؟